سورة الحج - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{إِنَّ الذين ءامَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئين والنصارى والمجوس والذين أَشْرَكُواْ} قيل: الأديان خمسة: أربعة للشيطان وواحد للرحمن، والصابئون نوع من النصارى فلا تكون ستة {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} في الأحوال والأماكن فلا يجازيهم جزاء واحداً ولا يجمعهم في موطن واحد. وخبر {إن الذين آمنوا} {إن الله يفصل بينهم} كما تقول (إن زيداً إن أباه قائم) {إِنَّ الله على كُلّ شَئ شَهِيدٌ} عالم به حافظ له فلينظر كل امرئ معتقده، وقوله وفعله وهو أبلغ وعيد.
{أَلَم تَرَ} ألم تعلم يا محمد علماً يقوم مقام العيان {أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السماوات وَمَن فِى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} قيل: إن الكل يسجد له ولكنا لا نقف عليه كما لا نقف على تسبيحها قال الله تعالى: {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] وقيل: سمي مطاوعة غير المكلف له فيما يحدث فيه من أفعاله وتسخيره له سجوداً له تشبيهاً لمطاوعته بسجود المكلف الذي كل خضوع دونه {وَكَثِيرٌ مّنَ الناس} أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة، أو هو مرفوع على الابتداء {ومن الناس} صفة له والخبر محذوف وهو مثاب ويدل عليه قوله {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب} أي وكثير منهم حق عليه العذاب بكفره وإبائه السجود {وَمَن يُهِنِ الله} بالشقاوة {فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} بالسعادة {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاء} من الإكرام والإهانة وغير ذلك، وظاهر هذه الآية والتي قبلها ينقض على المعتزلة قولهم لأنهم يقولون شاء أشياء ولم يفعل وهو يقول يفعل ما يشاء.
{هذان خَصْمَانِ} أي فريقان مختصمان؛ فالخصم صفة وصف بها الفريق وقوله {اختصموا} للمعنى و{هذان} للفظ والمراد المؤمنون والكافرون. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: رجع إلى أهل الأديان المذكورة: فالمؤمنون خصم وسائر الخمسة خصم {فِى رَبّهِمْ} في دينه وصفاته، ثم بين جزاء كل خصم بقوله {فالذين كَفَرُواْ} وهو فصل الخصومة المعنى بقوله {إن الله يفصل بينهم يوم القيامة} {قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ} كأن الله يقدر لهم نيراناً على مقادير جثتهم تشتمل عليهم كما تقطع الثياب الملبوسة، واختير لفظ الماضي لأنه كائن لا محالة فهو كالثابت المتحقق {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسَهُمْ} بكسر الهاء والميم، بصري، وبضمهما: حمزة وعلي وخلف، وبكسر الهاء وضم الميم: غيرهم {الحميم} الماء الحار. عن ابن عباس رضي الله عنهما: لو سقطت منه نقطة على جبال الدنيا لأذابتها.


{يُصْهَرُ} يذاب {بِهِ} بالحميم {مَا فِى بُطُونِهِمْ والجلود} أي يذيب أمعاءهم وأحشاءهم كما يذيب جلودهم فيؤثر في الظاهر والباطن {وَلَهُمْ مَّقَامِعُ} سياط مختصة بهم {مِنْ حَدِيدٍ} يضربون بها {كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا} من النار {مِنْ غَمّ} بدل الاشتمال من منها بإعادة الجار، أو الأولى لابتداء الغاية والثانية بمعنى من أجل يعني كلما أرادوا الخروج من النار من أجل غم يلحقهم فخرجوا {أُعِيدُواْ فِيهَا} بالمقامع، ومعنى الخروج عند الحسن أن النار تضربهم بلهبها فتلقيهم إلى أعلاها فضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفاً، والمراد إعادتهم إلى معظم النار لا أنهم ينفصلون عنها بالكلية ثم يعودون إليها {وَذُوقُواْ} أي وقيل لهم ذوقوا {عَذَابَ الحريق} هو الغليظ من النار المنتشر العظيم الإهلاك.
ثم ذكر جزاء الخصم الآخر فقال:
{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} جمع أسورة جمع سوار {مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} بالنصب: مدني وعاصم وعلي ويؤتون لؤلؤاً وبالجر: غيرهم عطفاً على {من ذهب} وبترك الهمزة الأولى في كل القرآن: أبو بكر وحماد {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} إبريسم.


{وَهُدُواْ إِلَى الطيب مِنَ القول وَهُدُواْ إلى صراط الحميد} أي أرشد هؤلاء في الدنيا إلى كلمة التوحيد و{إلى صراط الحميد} أي الإسلام أو هداهم الله في الآخرة وألهمهم أن يقولوا: الحمد لله الذي صدقنا وعده وهداهم إلى طريق الجنة. والحميد الله المحمود بكل لسان.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} أي يمنعون عن الدخول في الإسلام ويصدون، حال من فاعل {كفروا} أي وهم يصدون أي الصدود منهم مستمر دائم كما يقال (فلان يحسن إلى الفقراء) فإنه يراد به استمرار وجود الإحسان منه في الحال والاستقبال {والمسجد الحرام} أي ويصدون عن المسجد الحرام والدخول فيه {الذى جعلناه لِلنَّاسِ} مطلقاً من غير فرق بين حاضر وبادٍ، فإن أريد به البيت فالمعنى أنه قبلة لجميع الناس {سَوَآء} بالنصب: حفص مفعول ثانٍ ل {جعلناه} أي جعلناه مستوياً {العاكف فِيهِ والباد} وغير المقيم. بالياء: مكي وافقه أبو عمرو في الوصل وغيره بالرفع على أنه خبر والمبتدأ مؤخر أي العاكف فيه والباد سواء، والجملة مفعول ثانٍ {للناس} حال {وَمَن يُرِدْ فِيهِ} في المسجد الحرام {بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} حالان مترادفان ومفعول {يرد} متروك ليتناول كل متناول كأنه قال: ومن يرد فيه مراداً ما عادلاً عن القصد ظالماً، فالإلحاد العدول عن القصد {نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} في الآخرة وخبر (إن) محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره: إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم وكل من ارتكب فيه ذنباً فهو كذلك.
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت} واذكر يا محمد حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة أي مرجعاً يرجع إليه للعمارة والعبادة وقد رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء، فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها فكنست مكان البيت فبناه على أسه القديم {أن} هي المفسرة للقول المقدر أي قائلين له {لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهّرْ بَيْتِىَ} من الأصنام والأقذار: وبفتح الياء: مدني وحفص {لِلطَّائِفِينَ} لمن يطوف به {والقائمين} والمقيمين بمكة {والركع السجود} المصلين جمع راكع وساجد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8